-
تنميةمايو 15، 2025
منطقة جنوب نهر الليطاني: مسارات التعافي وإعادة الإعمار وسط عدم اليقين
- منى خشن
وجهات النظر والآراء الواردة في هذه المقالة تعود للمؤلفة ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).
بعد يوم واحد من انطلاق "عملية طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول 2023، قصف الجيش الإسرائيلي مناطق حدودية في جنوب لبنان، ردًا على قرار حزب الله تأمين جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة. وبعد أشهر من الضربات الحدودية المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله، ولكن غير المتكافئة في حجمها وحدّتها، تعمقّ العدوان الإسرائيلي ليتخذ شكل حرب شاملة على لبنان استمرت بالتصاعد والتوسع بدءًا من 23 أيلول وحتى 27 تشرين الثاني 2024، عندما دخل اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ.أكثر من 000 20 شخص قُتلوا أو أصيبوا خلال 14 شهرًا من العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان، حيث وقعت معظم الخسائر البشرية في الشهرين اللذين سبقا اتفاق وقف إطلاق النار. كما تمّ تهجير أكثر من 1.2 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد. في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية، استهدف العدوان الإسرائيلي بشكل رئيسي المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، مما تسبب في دمار واسع النطاق، خاصة في المناطق القريبة من الحدود الجنوبية للبنان. بالإضافة إلى التدمير الممنهج للمباني السكنية وأحياء بأكملها، استهدفت إسرائيل البنية التحتية والمواقع التراثية وألحقت الدمار بالغابات والأراضي الزراعية وشبكات الري، مما أحدث أضرارًا بالغة بالأشجار والمحاصيل والتربة والبيئة الزراعية والطبيعية، فضلًا عن الأضرار بالاقتصاد المحلي بشكل عام.
رغم هشاشة الوضع الأمني، توافدت آلاف العائلات النازحة عائدة إلى ديارها في جنوب لبنان فور بدء سريان وقف إطلاق النار. وتحدّى البعض التحذيرات الإسرائيلية بعدم العودة إلى المناطق الحدودية وعادوا لتفقّد بيوتهم وأرزاقهم (أو أنقاضها)، معرضين أنفسهم لخطر الموت. كانت العودة هدفهم الأساس وقد تحققت بالنسبة للكثيرين، رغم ما صاحبها من لوعة وألم.
ومع ذلك، لا يزال العديد من الناس مهجّرين من منازلهم في البلدات الحدودية الجنوبية، التي أصبحت في الغالب غير صالحة للسكن. وتواصل إسرائيل شن هجمات يومية على ما تعتبره أهدافًا لحزب الله، متسببة بذلك في مقتل مدنيين. ووفقًا لمصادر عسكرية لبنانية، فقد انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار 3,112 مرة منذ دخوله حيز التنفيذ وحتى 8 أيار 2025، مما أسفر عن مقتل 157 شخصًا وإصابة 356 آخرين. بالإضافة إلى ذلك، فجّرت عبوات ناسفة في 40 بلدة جنوبية ضمن المنطقة التي كانت قد حذرت من العودة إليها، مما أدى إلى تدميرها بالكامل.
يُقدّر تقرير تقييم الأضرار والاحتياجات السريع (RDNA) الذي نشره البنك الدولي للبنان في أذار 2025، والذي يغطي الفترة ما بين 8 تشرين أول 2023 و20 كانون أول 2024، احتياجات التعافي وإعادة الإعمار بحوالي 11 مليار دولار أمريكي. وعلى الرغم من أنه يوفّر بيانات عن عشرة قطاعات، من بينها الإسكان، الصحة، التعليم، البيئة، المياه، والطاقة، بالإضافة إلى الأثر الكلي للحرب على الاقتصاد وأنماط النزوح، فإن هذا التقييم السريع لا يُغني عن التحليل والتخطيط الشاملين المتخصصين لكل قطاع. فهو يقدم نظرة عامة على حجم الدمار، لكنه لا يتناول أولويات التنمية الإقليمية بعد الحرب أو استراتيجيات التنفيذ.
على هذه الخلفية، السؤال الملح المطروح اليوم يتعلّق بتحديات التعافي وإعادة الإعمار بظل الأزمات المتعددة التي تعصف بلبنان منذ أواخر عام 2019، وانتهاكات إسرائيل المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار وتدميرها المستمر للقرى الحدودية اللبنانية، مما يبقي الباب مفتوحًا أمام عودة الحرب: من سيعيد بناء ما دمرته إسرائيل؟ في أي إطار زمني؟ وفق أي مخططات؟ من سينفذ هذه الخطط؟ من سيشرف على تنفيذها؟ ومن أين سيأتي التمويل؟
الحديث عن التعافي وإعادة الاعمار وسط حالة عدم اليقين ليس سابقًا لأوانه، بل هو ضرورة ملحّة لتجنب تفاقم الأوضاع الإنسانية، وتعزيز ارتباط المواطنين بأرضهم، واستقطاب الدعم الدولي، وإبراز الإرادة السياسية، والاستعداد لبناء مستقبل أكثر استقرارًا ومرونة.
من هذا المنطلق، يسعى هذا المقال للمساهمة في النقاش حول المسارات المحتملة للتعافي والتنمية في منطقة جنوب الليطاني من خلال تقديم ملخص لدراسة حول تنميتها الإقليمية المتكاملة، والتي تمّ إعدادها بين عامي 2020 و2023. وعلى الرغم من أهميتها، لم يتمّ نشر الدراسة وتوزيعها بعد لعدة أسباب، منها تراجع التمويل الخارجي، وعدم الاستقرار الإقليمي، وتغير الأولويات الوطنية والمحلية. ومع ذلك، فإن توصياتها لا تزال ذات صلة وتستحق الأخذ بعين النظر.
الدراسة الاستراتيجية تواجه رياحًا معاكسة
تمّ إطلاق الدراسة لإعداد إستراتيجية لتنمية منطقة جنوب نهر الليطاني وتطويرها ضمن إطار برنامج "CEDRE - سيدر" (المؤتمر الاقتصادي للتنمية من خلال الإصلاحات ومع الشراكات)، بناءً على طلب دعم مشترك وجهه رؤساء اتحادات بلديات صور، بنت جبيل، القلعة، وجبل عامل في 13 أبريل 2018 إلى الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD). استجابت الوكالة لهذا الطلب وأطلقت في تموز 2019 دعوة لتقديم المقترحات، تأكيدًا على التزامها بالتنمية الإقليمية المستدامة والمتوازنة في ظل الأزمات. قضت الدراسة بشكل أساسي على تقديم تحليل استراتيجي لحاجات وأولويات التنمية والتطوير في منطقة الدراسة، بما فيها البلدات والقرى التي لا تقع ضمن الاتحادات المذكورة أعلاه، وتحديد المشاريع الاستراتيجية التي تستوجب الدعم والتمويل.
فاز الفريق الاستشاري المكون من المركز اللبناني للدراسات (LCPS)، MORES (شركة استشارية لبنانية لإدارة الموارد والحلول البيئية)، SETEC (شركة هندسية فرنسية متعددة التخصصات)، سيرج يازجي (مخطط مدن وخبير إرث ثقافي)، وكاتبة هذا المقال (مخططة تنمية إقليمية إستراتيجية ورئيسة فريق العمل) في منافسة تقديم العروض التقنية والمالية للدراسة. وبالتالي، باشر فريق الاستشاري بإعداد الدراسة في آذار 2020 وفقًا للمعايير المحددة التي تشمل التوفيق بين البيئة والتنمية، تعزيز النمو المستدام للاقتصاد الريفي، تقوية التماسك الاجتماعي، وإشراك المسؤولين الأساسيين جميعًا، من رؤساء اتحادات البلديات وممثلي بلديات والناشطين محليين معنيين، في تقييم وضع المنطقة وتحديد أولويات تنميتها وتطويرها.أثرت أزمات لبنان المتعددة—الانهيار الاقتصادي، جائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت—بشكل كبير على مسار الدراسة، مما استلزم إدخال تعديلات على نطاقها وإطارها الزمني. ومنذ البداية، كان من الواضح أنّ هناك حاجة إلى نهج مزدوج المسار: مسار للاستجابة للطوارئ إلى جانب مسار التخطيط الاستراتيجي. كذلك تبين مبكرًا أنّ استراتيجيات تنمية وتطوير المنطقة تسترعي التركيز على التدخلات الممكنة على المدى القصير إلى المتوسط، حيث إنّ التدخلات واسعة النطاق التي تتطلب تمويل خارجي كبير وأطر زمنية طويلة للتنفيذ—مثل مشاريع البنى التحتية التي كان يعوّل لبنان على تمويلها بموجب خطة الاستثمار الرأسمالي التي قدّمها في مؤتمر سيدر—غير ممكنة في ظل الظروف الراهنة.
رغم أنّ التطوير المكاني المتكامل (integrated territorial development) ظل أولوية بالنسبة للوكالة الفرنسية للتنمية، إلا أنّ الظروف السياسية التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت غيرت أولويات التمويل. وقد تأثر هذا التحوّل أيضًا بسبب الانخفاض العام في التمويل المتاح للمشاريع التنموية في جميع أنحاء العالم، مما أدى بالتالي إلى انخفاض منح المؤسسات المالية الدولية للبنان. وقد أدت تحديات التمويل هذه إلى تفاقم الصعوبات التي تواجه الحكومة المركزية والهيئات العامة، التي اضطرت إلى التعامل مع بيئة متزايدة التعقيد تتسم بتغير الأولويات، وقلة الموارد، والضغوط الخارجية. على وجه الخصوص، تأثرت البلديات واتحادات البلديات بشكل كبير بالأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث عانت من انخفاض في إيراداتها وانخفاض حاد في قدرتها على تقديم الخدمات للمجتمعات المحلية.
إضافة إلى مشاكلها البنيوية والمسؤوليات التي أخذتها على عاتقها في الاستجابة لأزمة اللجوء السوري، تفاقمت معاناة البلديات واتحادات البلديات بسبب التأخير في حصولها على أموالها المستحقة من الصندوق البلدي المستقل وعائدات الاتصالات، والتي تراكمت على مدى الأعوام السابقة وفقدت قيمتها بشكل كبير بسبب التدنّي الهائل في قيمة العملة الوطنية. ورغم هذه التحديات، اضطرت البلديات لتحمل أعباء كبيرة في مواجهة جائحة كورونا، نظرًا إلى أنّ قانون البلديات (المرسوم الاشتراعي رقم 118/77 وتعديلاته) جعلها مسؤولة عن التعامل مع الأزمات الصحية مثل الأوبئة.
كذلك، لعبت سياسيات التمويل الخارجي دورًا بارزًا في خفض حماسة بعض رؤساء اتحادات البلديات بشأن الدراسة، إذ شككوا في الإمكانية الفعلية لتمويل مشاريعهم ذات الأولوية. من ناحيتها، أوضحت الوكالة الفرنسية للتنمية منذ البداية بأنّها ستقوم بتمويل دراسة إستراتيجية التنمية لمنطقة جنوب نهر الليطاني لكنّها غير ملتزمة بتمويل المشاريع المقترحة. كان موقفها هذا نابعًا من أن هدف الخطة الإستراتيجية ينطوي على بلورة مشاريع إنمائية ضمن إطار متماسك ومتكامل يسهل على البلديات واتحادات البلديات المعنية التواصل مع الممولين والحصول على دعمهم، بمن فيهم الوكالة الفرنسية للتنمية.
في المحصلة، أسفرت الدراسة عن إنتاج خطة استجابة للطوارئ بالإضافة إلى الخطة الاستراتيجية الشاملة. أنجز الفريق الاستشاري العمل جميع مراحل الدراسة بتعاون وثيق مع الأطراف المحلية المعنية، حيث شارك أكثر من 100 شخص في وضع هاتين الخطتين من خلال اجتماعات ومناقشات مكثفة مع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والوطنية المعنية بما في ذلك رؤساء الاتحادات الأربعة التي تقع ضمن منطقة الدراسة، بعض رؤساء البلديات و/أو أعضاء المجالس البلدية، ممثلي جمعية العمل البلدي، الموظفين الرئيسيين في مؤسسات القطاع العام والمنظمات الدولية ذات الصلة، أعضاء منظمات المجتمع المدني المحلية النشطة والنقابات العمالية، والمواطنون والخبراء المحليون الذين لديهم معرفة مباشرة بتحديات المنطقة وأولوياتها التنموية.
أعطت خطة استجابة للطوارئ الأولوية لسبل العيش، والصحة، والتعليم، وتوفير الخدمات الأساسية. وركزت بشكل خاص على ضرورة الإرشاد الزراعي والنقل العام ودعم الأعمال التقليدية والمبتكرة وتشغيل الشباب. كما تضمنت قائمة بالمشاريع الجارية (من قبل المنظمات الدولية والمحلية) وفرص التمويل المحتملة التي يمكن لاتحادات البلديات والبلديات في منطقة الدراسة الاستفادة منها. أمّا الخطة الاستراتيجية، فقد انبثقت عن روية مستقبلية مشتركة وتمحورت حول أربع أهداف وبرامج تنموية، كما يوضح الملخص أدناه.
ملخص الإطار الاستراتيجي
قبل عرض ملخص الإطار الاستراتيجي المقترح، لا بد من الإشارة إلى أنّه لا يوجد ترسيم إداري رسمي لمنطقة جنوب نهر الليطاني. كما أنّه لا توجد منطقة في لبنان تُعرف رسميًا بهذه التسمية استعملتها الوكالة الفرنسية في دعوتها لتقديم المقترحات، والتي ترتبط عمومًا بنطاق عمل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونفيل -UNIFIL). ومع ذلك، تُعد هذه المنطقة كيانًا جغرافيًا متكاملًا ومتميزًا بحدود واضحة من جميع الجهات، باستثناء الجزء الشمالي الشرقي، حيث يغير نهر الليطاني اتجاهه. بناءً على ذلك، اعتبر الفريق الاستشاري أنّ منطقة الدراسة تشمل أقضية صور، ومرجعيون، وبنت جبيل بأكملها، وهي أقضية ارتبط اسمها تاريخيًا بمنطقة جبل عامل، التي كانت تمتد إلى أجزاء من فلسطين قبل إنشاء لبنان الكبير عام 1920، واشتهرت بمقاومتها لإسرائيل وصمودها أمام الغزو الإسرائيلي للبنان في 1978 و1982، واحتلال الجنوب بين عامي 1982 و2000، وحرب 2006.
على الصعيد المفاهيمي، أولى الفريق الاستشاري الاهتمام للتنمية المكانية الشاملة التي تساعد في خلق روابط تآزرية بين مختلف المناطق الإدارية داخل منطقة الدراسة، والتي تجمع بين توطيد وتنويع الاقتصادي المحلي، والحفاظ على البيئية والإرث الطبيعي والثقافي، وتحسين البنية التحتية والخدمات. بالتالي، انطلقت الدراسة من مقاربات متعددة القطاعات، تتجاوز الحدود الفاصلة بين الأرياف والمدن وبين الساحل والداخل، وتؤكد على أهمية النظر إلى منطقة الدراسة كوحدة جغرافية متكاملة تربطها ملامح المناظر الطبيعية والتاريخ المشترك والتقاليد الثقافية والاجتماعية لسكانها.
وشكلت المبادئ التوجيهية الرئيسية للخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية ركيزة أساسية في بلورة رؤية مشتركة لتنمية المنطقة وفي وضع استراتيجيات وتدخلات متعددة المستويات تنسجم مع توصيات هذه الخطة. بالإضافة إلى ذلك، استرشدت الاستراتيجية المقترحة بأهداف التنمية المستدامة (SDGs)، ونتائج الدراسات السابقة ذات الصلة—تحديدًا، الخطة الاستراتيجية للتنمية الإقليمية المستدامة لقضاء صور (SSRDP) التي وضعت في عام 2015، والدراسة الاستراتيجية لقرى اتحاد بلديات جبل عامل التي وضعت بين عامي 2014-2015.
تماشيًا مع هذا الإطار المفاهيمي، وخاصة توجهات الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، اعتمدت الأطراف الرئيسية المحلية المعنية رؤية استراتيجية تسلط الضوء على منطقة جنوب الليطاني كواحدة من أهم المناطق الزراعية المنتجة في لبنان، إلى جانب أهميتها كوجهة ثقافية وسياحية بارزة على المستوى الوطني. كذلك تبنت هذه الأطراف الأهداف الاستراتيجية ومحاور التنمية التي وضعتها الدراسة والبرامج الأربعة المرتبطة بها، والتي استندت بشكل رئيسي إلى العمل الميداني وورش العمل التشاركية مع الجهات المحلية. فيما يلي ملخص عن هذه البرامج:
1.برنامج "الجنوب المنتج": يركز هذا البرنامج على الزراعة والصناعات الزراعية، ويهدف إلى تطوير هذه القطاعات من خلال تحسين أنظمة الري، ودعم التحوّل نحو الزراعة العضوية والمحاصيل البعلية والممارسات الزراعية المستدامة (مثل الزراعة الإيكولوجية والحراجة الزراعية). كذلك يهدف إلى حماية الأراضي الزراعية المنتجة عبر تصنيفها للاستخدام الزراعي، بالإضافة إلى الإرشاد الزراعي وتعزيز قطاع صيد الأسماك التقليدي والإنتاج الحيواني.
2. برنامج "تراث الجنوب": يهدف هذا البرنامج إلى حماية التراث الطبيعي والثقافي والديني والبحري لمنطقة الدراسة، ودعم خلق فرص عمل جديدة في قطاعي الثقافة والسياحة البيئية. كما يسعى إلى زيادة الوعي العام بقيمة التراث وأهمية الحفاظ على المعالم العمرانية والتاريخية، وإحياء الحرف التقليدية والصناعات اليدوية الخفيفة، ووضع المنطقة على خارطة السياحيات البديلة في لبنان.
3. برنامج "الجنوب الأخضر والازرق": يهدف هذا البرنامج إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية للمنطقة، واستعادة النظم البيئية والتنوع البيولوجي، والحد من التلوث وتعزيز الصحة العامة والرفاهية. ويعطي الأولوية لتحسين إدارة النفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي، ودعم ابتكار الأعمال في الاقتصادات الخضراء والزرقاء والدائرية، وتسريع الانتقال نحو الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، يركز البرنامج على ضرورة تعزيز الممرات البيئية الخضراء والزرقاء القائمة واعتماد التدخلات الصديقة للبيئة في تطوير البنية التحتية.
4. برنامج "روابط الجنوب": يهدف هذا البرنامج إلى تقوية الترابط الاجتماعي والمادي في منطقة الدراسة من خلال تدخلات استراتيجية تسهل وصول الناس إلى الخدمات والمرافق العامة، وتحفز التنمية الاقتصادية، وتعزز الانصاف والتماسك الاجتماعي. تشمل هذه التدخلات تحسين أنظمة النقل العام متعددة الوسائط والتنقل السلس، وإنشاء شبكات موزعة بشكل استراتيجي تشمل المراكز الصحية، ومراكز التعليم المهني، والمساحات الترفيهية المفتوحة والمرافق الرياضية.
تتضمن الخطة الاستراتيجية تفاصيل حول أهداف ومكونات كل من هذه البرامج الأربعة، والفرص والتحديات التي قد تسهل أو تعيق تنفيذها. كما تضمنت قوائم بالمشاريع ذات الأولوية المرتبطة بها، مع الاشارة إلى مواقعها الجغرافية المحتملة، وأنواع التدخلات المطلوبة، وإطارها الزمني، والجهات المعنية والمسؤولة عنها. بالإضافة إلى ذلك، تتناول الإستراتيجية المقترحة بشكل أكثر تفصيلًا ثلاثة مشاريع إستراتيجية تقع عند تقاطع اثنين أو أكثر من البرامج الأربعة المذكورة أعلاه، والتي يمكن تنفيذها في مواقع عدة ضمن منطقة الدراسة، إذ هي سريعة التنفيذ ولا تتطلب تمويلًا كبيرًا أو تغييرات في أنظمة المنطقة أو سن قوانين جديدة. هذه المشاريع هي:
1. مشروع "تدوير": يسعى هذا المشروع إلى تحويل النفايات العضوية والزراعية إلى سماد، وغطاء عضوي للتربة (Mulch)، وقوالب مضغوطة للتدفئة (Briquettes).
2. مشروع "دروب": يعزز هذا المشروع السياحة البيئية من خلال إنشاء مسارات ذات طابع محدد، مثل مسار الزيتون ومسار الكروم، والمرتبطة بهوية المنطقة وتقاليدها المحلية.
3. مشروع "شمس ومي": يدعم هذا المشروع الممارسات الزراعية المستدامة عبر الربط بين أنظمة المياه والطاقة والغذاء باستخدام الطاقة الشمسية ومياه الأمطار في الري.
باختصار، تقدم الاستراتيجية المقترحة خارطة طريق شاملة تهدف إلى تحقيق تنمية متكاملة ومستدامة في المنطقة. ومع ذلك، وبعيدًا عن الأزمات الحالية في لبنان، هناك تحديات عدة تعيق تنفيذها بشكل فعّال، بما في ذلك ضعف التنسيق المؤسسي، وتضارب المسؤوليات، وعدم كفاية الموارد المتاحة للبلديات.
وتزيد الشوائب المرتبطة بالتخطيط الحضري وحوكمة الأراضي من تعقيد تنفيذ الاستراتيجية، حيث أسهم غياب الأطر التوجيهية الفعالة والإدارة الرشيدة في الزحف العمراني، والتعدي على الممتلكات العامة والمشاعات، وإحداث تغيرات ضارة في استخدام الأراضي، إلى جانب تقليص المساحات المزروعة، وتلوث المياه والتربة، وإهمال المواقع الطبيعية والتراثية الهامة. لمعالجة هذه التحديات، تركز الاستراتيجية المقترحة على ضرورة تعزيز الأطر التنظيمية، وممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، وحماية المواقع الطبيعية والتراثية، إلّا أن هذه الاستراتيجية نفسها بحاجة ماسة اليوم إلى التحديث اليوم.
أولويات التعافي وإعادة الإعمار
تفاقمت التحديات المذكورة أعلاه بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على الحدود الجنوبية للبنان، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى نهج مزدوج المسار: مسار الاستجابة للطوارئ ومسار التدخل الاستراتيجي. حتمًا، يجب أن يعطي مسار الاستجابة للطوارئ الأولوية لتقييم الأضرار الناجمة عن العدوان، وإزالة الألغام والمتفجرات من المناطق المتأثرة، والبدء بعملية إعادة تأهيل وبناء المنازل المتضررة لتمكين السكان النازحين من العودة، وبالتالي إعادة تأكيد حقهم في أراضيهم.
أمّا من ناحية مسار التدخل الاستراتيجي، فهناك ضرورة عاجلة للشروع في تحليل دقيق للعقبات والمخاطر الناشئة جراء العدوان وتقييم تأثيرها على الزراعة والصناعات الزراعية، والتراث الطبيعي والثقافي، والموارد الطبيعية والنظم البيئية، والترابط الاجتماعي والمادي. بناءً على هذا التحليل المعمق، يجب إعطاء الأولوية لتطوير وتنفيذ إجراءات استراتيجية لدعم الاقتصاد المحلي، وحماية البيئة، والحفاظ على التراث، وتعزيز التماسك الاجتماعي وسط التحديات المستمرة.
تضع الدراسة الاستراتيجية لتطوير منطقة جنوب نهر الليطاني، التي عرضها هذا المقال، أساسًا متينًا لتعزيز التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. هناك حاجة ملحة اليوم إلى تحديثها لتعكس الأولويات الحالية مع إعادة تحديد التدخلات اللازمة. تتطلب هذه المهمة تضافر الجهود على جميع المستويات وبين جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، مع الالتزام بالمشاركة النشطة والتعاون المستمر لتحقيق الأهداف المرجوة في ظل الظروف الراهنة.منى خشنباحثة مستقّلة في مجال التنمية وتخطيط المدن والمناطق وباحثة أولى في المركز اللبناني للدراسات 2019-2021. قدّمت خدمات استشارية للعديد من المنظّمات الدولية (الوكالة الفرنسية للتنمية، ومنظّمة الإسكوا التابعة للأمم المّتحدة، وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، وبرنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية، والبنك الدولي)، كما عمَلت مع القطاعين الخاصّ وغير الربحي في لبنان والخارج. نالت شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من الجامعة الأميركية في بيروت، بالإضافة إلى ماجستير العلوم في التنمية والتخطيط من كلّية لندن الجامعية، ودرجة الدكتوراه في التصميم من جامعة هارفرد، في اختصاص التراث الحضري والتنمية.