• طاقة
    أبريل 15، 2025

    الانتقال الطاقيّ في سياق الأزمات: لبنان والسودان

    • معز علي، رشا عاقل
    الانتقال الطاقيّ في سياق الأزمات: لبنان والسودان

    ملاحظة: تستند الأقسام المتعلّقة بلبنان في هذه المقالة إلى بيانات جُمِعَت من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 إلى تمّوز/يوليو 2024، ما يعكس مشهد المؤسّسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسّطة ووجهات نظر الجهات المعنيّة حتّى ذلك الوقت. وتستند الأقسام المتعلّقة بالسودان إلى بيانات جُمعَت بين تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 وكانون الثاني/يناير 2024 وبيانات تاريخية عن قطاع الطاقة. إنَّ المعلومات الواردة في هذه المقالة لا تعكس بشكل كامل تأثير الدمار والنزوح المرتبطَيْن بالنزاعات التي وقعت في البلدَيْن أخيرًا.

     

    إنَّ لبنان والسودان غير مُهيَّأَيْن لمواجهة العواقب السلبية التي قد تنجم عن تغيُّر المناخ، إذ يفتقران إلى الهياكل المؤسّسية الأساسية والموارد المالية اللازمة للتكيُّف مع هذه الظاهرة. وتُعتبَر مساهمة البلدَيْن في انبعاثات غازات الدفيئة العالمية ضئيلة، وعلى أساس نصيب الفرد، تنبعث منهما كمّيات أقلّ بكثير من المعدّلات العالمية والإقليمية.

     

    في ظلّ الحاجة المُلِحَّة إلى الحدّ من الانبعاثات ومكافحة تغيُّر المناخ، تُمثِّل الطاقة المتجدّدة فرصةً اقتصادية واجتماعية كبرى، ولا سيّما في منطقةٍ تتوفّر فيها طاقة الرياح والطاقة الشمسية بنسبة كبيرة. وقد شهدَ كلٌّ من لبنان والسودان أخيرًا زيادةً في تبنّي الطاقة المتجدّدة، ولكنْ في الحالتَيْن، أتى هذا التبنّي المتزايد مدفوعًا بالضرورة بدلًا من أن يكون نابعًا من القرارات السياساتية المُخطَّط لها بعناية. وبما أنَّ لبنان والسودان من البلدان المُستورِدة للطاقة الصافية، فقد يكون للطاقة المتجدّدة العديد من المساهمات الإيجابية في اقتصادَيْهما.

     

    الطاقة في سياق الأزمات

    مع تفاقم الأزمة المالية في لبنان عام 2019، ازدادَ تدهور قطاع الكهرباء الذي كانَ يُعاني أساسًا من مشكلات متعدّدة. فقد ظلّت شركة كهرباء لبنان، وهي المرفق الوطني، تُواجِه تكاليف إنتاج مرتفعة بسبب استخدامها لزيت الوقود الثقيل الذي يُعَدّ مُكلِفًا وغير فعّال ويُسبِّب تلوّثًا عاليًا. ويتّصف قطاع الكهرباء في لبنان بمستويات عالية من الخسائر غير التقنية الناتجة من سرقة الكهرباء، بالإضافة إلى الفواتير غير المدفوعة وغير المُحصَّلة، وفقًا لعيّاط (2021).

     

    كذلك، يُعاني قطاع الكهرباء في لبنان من سوء الحوكمة وسوء الإدارة والفساد، ما ساهمَ في اختلال القطاع. وقد أدّت هذه العوامل إلى قطاع كهرباء يتّسم بالاستحواذ السياسي وضعف الموثوقية.

     

    وبرزَ قطاعٌ غير نظامي قائم على المولّدات المُوزَّعة نتيجة الفجوة في الإمداد وعجز مرافق الدولة عن تأمين الكهرباء. ويُمارِس أصحاب المولّدات التجارية نفوذهم من خلال إقامة علاقات متينة مع السلطات المحلّية. ووفقًا لأحمد (2020)، تُساهِم المصالح الخاصّة في قطاع المولّدات والوقود المُربِح في ترسيخ اعتماد لبنان على النفط، حيث يتمتّع مُستورِدو الوقود بنفوذٍ سياسي على المستوى الوطني.

     

    وعلى المستوى التنظيمي، تجدر الإشارة إلى أنَّ المشاريع التي تزيد قدرتها الإنتاجية على 1.5 ميغاواط يجب أن تخضع لموافقة وزير الطاقة والمياه، ثمّ يُصوّت عليها مجلس الوزراء. وعلى الرغم من توقيع وزارة الطاقة والمياه على عدّة اتّفاقات لشراء الطاقة، فقد أدّت الأزمات المالية والسياسية إلى إطالة عملية المناقصة وإثارة الشكوك في مدى ربحية اتّفاقات شراء الطاقة.

     

    أمّا في السودان، فقد أدّى انفصال جنوب السودان عام 2011 إلى أزمة في ميزان المدفوعات، وعجز تجاري حادّ، وركود اقتصادي. ويتّسم قطاع الكهرباء في السودان بمحدودية الوصول، مع وجود فروقات تاريخية وإقليمية واضحة في تغطية الشبكة، بالإضافة إلى المشكلات المتعلّقة بالموثوقية.

     

    ولتشجيع مشاركة القطاع الخاصّ في تطوير البنية التحتية، أصدرت الحكومة قانون الاستثمار القومي في عام 2013، وشرعت في إعداد قانون الشراكات بين القطاعَيْن، العامّ والخاصّ، في عام 2015. وعلى الرغم من هذه الجهود، لا يزال القطاع يعتمد كثيرًا على مخصّصات ميزانية وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي للاستثمارات والصيانة وتوسيع الشبكة، وفقًا لأوسوي وآخرين (2019).

     

    يكاد يكون الاستثمار في قطاع الكهرباء معدومًا بسبب غموض إجراءات مشاركة القطاع الخاصّ، والافتقار إلى هيكل تنظيمي واضح لاتّفاقات شراء الطاقة، والتقلُّبات في الاقتصاد الكلّي. في بعض المناطق، يُظهِر قطاع الكهرباء في السودان أداءً جيّدًا، حيث يبلغ معدّل تحصيل الفواتير 90% بفضل استخدام عدّادات الدفع المسبق. وتُعَدّ الخسائر في النقل والتوزيع منخفضة نسبيًا وتتوافق عمومًا مع المعدّلات الإقليمية.

     

    الانتقال كنتيجة للأزمات

    في لبنان، أدّى رفع الدعم في أيلول/سبتمبر 2021 إلى ارتفاع أسعار الوقود المُستخدَم في توليد الكهرباء، ما زادَ من تكلفة الكهرباء المُنتَجة من مولّدات المازوت. ونتيجةً لذلك، لجأت الأُسَر والمؤسّسات إلى الطاقة الشمسية لضمان أمنها الطاقي.

     

    وفي ظلّ غياب القروض المصرفية أو الدعم الحكومي، اعتمدَ العديد من أصحاب المؤسّسات على الموارد الشخصية لتمويل هذه المشاريع. ووفقًا لتقييمٍ أجرته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية حول سوق الطاقة الشمسية، شهدَ قطاع الطاقة الشمسية زيادةً بنسبة 70% في معدّلات التوظيف في عام 2022 مقارنةً بعام 2020. وفي كانون الأوّل/ديسمبر 2023، صدّقَ مجلس النوّاب على قانونٍ لإنتاج الطاقة المتجدّدة المُوزَّعة.

     

    يُوفِّر القانون فُرَصًا لاستثمار القطاع الخاصّ في الطاقة المتجدّدة، حيث يسمح ببيع الكهرباء مباشرةً للعملاء ذوي الأهلية الائتمانية باستخدام اتّفاقات شراء الطاقة. ومع ذلك، يبقى عدم تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لتنظيم الكهرباء أحد العوائق الرئيسية التي تَحول دون التنفيذ الناجح للقانون.

     

    أظهرت المقابلات مع الخبراء الرئيسيين التي أُجرِيَت في إطار هذا البحث أنَّ المنظّمات الدولية والجهات المانحة لعبت دورًا بارزًا في الانتقال الطاقي التفاعلي في لبنان، من خلال تخصيص أموال لتوسيع نشر تقنيات الطاقة المتجدّدة، والعمل مع الجامعة اللبنانية ومؤسّسات التعليم والتدريب التقني والمهني لتحديث مناهجها وفقًا لأحدث المعايير الخاصّة بالطاقة الشمسية الكهروضوئية.

     

    إضافةً إلى ذلك، برزت البلديات لاعبًا أساسيًّا في الانتقال اللامركزي للطاقة في لبنان. فقد حصلت الحكومات البلدية على التمويل اللازم لمشاريع الطاقة المتجدّدة من خلال تبرّعات المغتربين، بالإضافة إلى الهبات من الجهات المانحة الدولية.

     

    أمّا في السودان، فإنَّ التغطية المحدودة لشبكة الكهرباء الوطنية قد دفعت السكّان المحلّيين ومنظّمات التنمية الدولية إلى استكشاف خيارات بديلة، وذلك وفقًا لمقابلة أُجرِيَت مع خبير في مجال الطاقة. ويشمل التمويل الإنمائي المُوجَّه نحو الزراعة مضخّات تعمل بالطاقة الشمسية وأنظمة شمسية خارج الشبكة للتصنيع الغذائي.

     

    إضافةً إلى ذلك، شهدَ قطاع الطاقة الشمسية الكهروضوئية ازدهارًا بعد التغييرات السياساتية التي أقرّتها الحكومة الانتقالية في عام 2020، ولا سيّما الإصلاحات المتعلّقة بدعم الوقود الأحفوري. وشهدَت المؤسّسات العاملة في قطاع الطاقة الشمسية الكهروضوئية زيادةً في المبيعات، ولا سيّما في المُدُن، حيث كانت أُسَر كثيرة تبحث عن بدائل أكثر أمانًا وأطول أمدًا، وربّما أقلّ كلفةً من مولّدات المازوت.

     

    ورغم الاعتماد المتزايد على الطاقة الشمسية، لم تستفد الأُسَر ذات الدخل المحدود كثيرًا، ولم يؤدِّ ذلك إلى زياداتٍ أوسع في أنظمة كبيرة خارج الشبكة كما خطّطت الحكومة في البداية في خطّتها التنموية لعام 2031، وفقًا لمقابلة أُجرِيَت مع خبير في مجال الطاقة.

     

    الخلاصة

    إنَّ الاعتماد الكبير على الوقود المُستورَد لتوليد الكهرباء في كلٍّ من لبنان والسودان، سواء في الأنظمة المُوزَّعة أو المركزية، قد ساهمَ في زيادة التأثُّر بتقلّبات أسعار الطاقة العالمية، ما انعكسَ سلبًا على أمن الطاقة.

     

    وشهدَ كلٌّ من لبنان والسودان انتقالًا تلقائيًا إلى الطاقة المتجدّدة استجابةً للأزمات المتتالية، إلّا أنَّ تحقيق انتقال طويل الأمد ومستدام وعادل لا يمكن أن يحصل إلّا من خلال سياسات حكومية مُخطَّط لها بعناية. ووفقًا لتقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية في لبنان، يُعَدّ إصلاح قطاع الطاقة أمرًا بالغ الأهمية لعملية التعافي.

     

    الشبكة الفعّالة والإطار التنظيمي المناسب يُشكِّلان شرطَيْن أساسيَّيْن للاستفادة من الانتقال الطاقي الجاري في البلدَيْن. ولا بدَّ من أن تُرافقهما إصلاحات وتدخّلات أوسع نطاقًا، ولا سيّما في ما يتعلّق بسوق العمل، وتوفير التمويل المُيسَّر لمشاريع الطاقة المتجدّدة، ووضع أنظمة ملائمة لتعزيز استخدام الطاقة المتجدّدة.

     

    معز علي
    الدكتور معز علي مسؤول الأبحاث والسياسات في مركز "إرثنا" التابع لمؤسسة قطر، الذي يعني بتعزيز مستقبل مستدام، كذلك فإنه زميل باحث فخري في كلية بارتليت للبيئة والطاقة والموارد في كلية لندن الجامعية، وأستاذ مساعد في جامعة جورج تاون في قطر. تتناول أنشطته واهتماماته البحثية مواضيع متعددة، منها الأمن الغذائي وتغيّر المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والكهرباء، والمياه إلى الطاقة، والاقتصاد السياسي لإنتاج المعرفة وتطورها. وفي الشأن السوداني، تتركّز إسهاماته في مجالات السياسة الاجتماعية والاقتصادية والمجتمع المدني والحكومة.

    رشا عاقل
    رشا عاقل باحثة في المركز اللبناني للدراسات. تحمل إجازة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من الجامعة الأمريكية في بيروت بدرجة امتياز عالٍ مع مرتبة الشرف، وشهادة ماجستير في دراسات الهجرة من الجامعة اللبنانية الأمريكية. خلال دراستها العليا في الجامعة، عملت كباحثة مساعدة في معهد دراسات الهجرة، حيث درست تأثير تغير المناخ على الهجرة. في المركز اللبناني للدراسات ، نشرت العديد من البحوث حول الطاقة المتجددة وقضايا بيئية أخرى.
اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية