• حوكمة
    سبتمبر 23، 2025

    قانون الإيجارات في لبنان وأزمة السكن

    • رشا عاقل
    قانون الإيجارات في لبنان وأزمة السكن

    في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام، محوره الإنسان، من انفجار مرفأ بيروت، وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، لإصدار "مرصد الإصلاح". ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار. ويندرج المرصد في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان ("بناء") المموّل من الاتحاد الأوروبي. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة. 


     

    ما هي المسألة المطروحة؟

    الصراع الأخير بين حزب الله وإسرائيل كانَ له تأثير مدمّر على البلد، وكان قطاع الإسكان الأكثر تضرّرًا، حيث تُقدّر الأضرار فيه بنحو 4.6 مليار دولار أمريكي (أي 67% من إجمالي أضرار الحرب)، وذلك وفقًا لتقرير "التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان" (2025) الصادر عن البنك الدولي. وبحسب تقديرات البنك، تضرّرت حوالي 162,900 وحدة سكنيّة جرّاء الحرب، علمًا أنّ هذه الوحدات كانت تُشكِّل قرابة 10% من المخزون السكني في لبنان قبل اندلاع النزاع.

     

    وبعد تفصيل هذا الرقم، يتبيّن أنّ حوالي 45,400 وحدة سكنيّة دُمّرت بالكامل، و74,300 وحدة تضرّرت جزئيًّا، في حين تعرّضت 43,200 وحدة لأضرار طفيفة بسبب الحرب (التقييم السريع للأضرار والاحتياجات، البنك الدولي، 2025). أمّا على مستوى المناطق، فكان لمحافظة النبطية حصّة الأسد من الأضرار، حيث تضرّرت 44% من الوحدات (حوالي 2.2 مليار دولار أمريكي). تليها محافظة الجنوب، بنسبة 24% من الوحدات المتضرّرة، ثم جبل لبنان (21%)، وأخيرًا بعلبك-الهرمل (7%) (التقييم السريع للأضرار والاحتياجات، البنك الدولي، 2025). كذلك، تسبّب الدمار الشامل في ارتفاع حاد في الطلب على السكن، ممّا أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات، وباتت الفئات الهشة في المجتمع اللبناني عاجزةً عن العثور على سكن.

     

    ليست هذه المرّة الأولى التي يواجه فيها قطاع الإسكان مثل هذه الضغوط والتوتّرات. بحسب لإهرنبرغ-بيترز وفيف (2024ب)، وحتى قبل اندلاع الحرب، احتلت بيروت مرتبة متقدمة بين أكثر المدن غلاءً عالميًا (المرتبة 327 من أصل 332)، ممّا يُشكّل تحدّيًا كبيرًا في المراكز الحضريّة مثل بيروت وطرابلس وصيدا وصور (كريان، 2023؛ برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية، 2021).

     

    واقع سياسة الإسكان

    يفتقر لبنان إلى سياسة عامّة شاملة ومتكاملة في مجال الإسكان. فعلى الرغم من محاولات برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية (موئل الأمم المتّحدة) لوضع دليل لإدماج الإسكان في السياسات الحضريّة في لبنان، والجهود الإضافيّة التي بذلها المجتمع المدني لسدّ الثغرات في هذه السياسات، غير أنّ هذه المحاولات لم تُترجَم إلى سياسات رسميّة للإسكان.

     

    تتّصف هذه السياسات بشكلٍ عام بقوانين متفرّقة لضبط الإيجارات استجابةً للنزوح السكّاني، ثم لتحريرها لاحقًا بما يتماشى مع ديناميّات العرض والطلب أو أسعار السوق. غير أنّ هذه الخطوات لم تُفضِ إلى بلورة سياسة إسكان أوسع تعمل على تنظيم توسُّع المُدن والقرى بصورة شاملة ومتكاملة، وتُراعي أُطُر التخطيط المُدني، وتدابير تأمين الإسكان بأسعار مقبولة، والجوانب البيئيّة وغيرها (مرصد السكن، 2022).

     

    وعلى الرغم من أنّ قانون الإسكان رقم 58 لعام 1965 يُقرّ بالسكن كحقّ من حقوق الإنسان، وبأنّ الدولة مسؤولة عن ضمانه وحمايته، غير أنّ مسألة توفير المسكن الملائم وبأسعار معقولة للفئات الهشة لا تزال تفتقر للمعالجة إلى حدّ كبير (موئل الأمم المتّحدة، 2021؛ فواز وآخرون، 2017). علاوةً على ذلك، تتولّى البلديّات أيضًا مسؤولية توفير المأوى وتأمين المسكن الملائم، وفقًا للقانون رقم 118/1977 (فواز وآخرون، 2017).

     

    صادق لبنان على العديد من الاتفاقيّات الدوليّة التي تُلزم الهيئات الرسميّة بتوفير مأوى ملائم وآمن مع ضمان وصول شامل إلى الخدمات العامّة والبنية التحتيّة. على سبيل المثال، انضمّ لبنان إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1972. وتُشير المادة 11.1 من العهد الدولي إلى الحقّ في السكن ضمن نطاق الحقّ في مستوى معيشي لائق.

     

    وبحسب التعليق العام رقم 4 (1991) الصادر عن لجنة الأمم المتّحدة المعنيّة بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، يشمل الحقّ في السكن الملائم عناصر أساسيّة مثل: تأمين الحيازة، والكلفة الميسورة، وتوافر الخدمات والمواد والمرافق والبُنية التحتيّة، وإمكانيّة الوصول، والموقع المناسب، وقابليّة السكن، والملاءمة الثقافيّة.

     

    إضافةً إلى ذلك، تلتزم الدولة اللبنانيّة، بموجب العهد الدولي الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، بتقديم تقارير دوريّة عن أوضاع السكن في لبنان، بما في ذلك التقدّم المحرز على صعيد احترام هذا الحقّ (مرصد السكن، 2022). ووفقًا لمرصد السكن (2022)، لم يُقدَّم سوى تقريرين حول الحقّ في السكن، الأوّل عام 1993 والثاني عام 2015.

     

    قوانين الإيجارات السكنيّة

    صدر القانونان رقم 159 و160 لتنظيم الإيجارات، والمعروفان بـ "قانون الإيجارات القديمة"، في تموز/يوليو 1992 بعد انتهاء الحرب الأهليّة. بموجب هذا القانون، تم تجميد جميع عقود الإيجار الموقّعة قبل هذا التاريخ، من دون الأخذ بالاعتبار حالة التضخّم، وأسعار سوق الإيجارات، وانخفاض قيمة اللّيرة اللّبنانيّة خلال سنوات الحرب الأهلية (ماروت، 2012). وبينما يُمثِّل هذا القانون شكلًا من أشكال ضبط الإيجارات بالنسبة لعقود الإيجار القديمة، فإنه يُحرّر عقود الإيجار الموقّعة بعد تموز/يوليو 1992، ويسمح بتعديلها كل ثلاث سنوات.

     

    وبالتالي، ميّز قانون الإيجارات الصادر عام 1992 بين عقود الإيجار القديمة وعقود "الإيجار الحرّ" الجديدة. وأتاح هذا التشريع المعني بعقود الإيجار القديمة إمكانيّة نقل حق الإشغال إلى أفراد آخرين من العائلة، كما نصَّ على إمكانيّة إبطال عقود الإيجار القديمة في حالتين محدّدتين: هدم المبنى أو استخدام المؤجّر للشقّة لأسباب عائليّة، شرط التعويض للمستأجر. منذ العام 1996، تمّ تمديد قانون الإيجارات رقم 160/92 (عقود الإيجار القديمة) أكثر من عشر مرّات.

     

    على الرغم من فوائدها، تعرّضت أنظمة ضبط الإيجارات من الجيل الأول، مثل التحكم في الإيجار بهذا الشكل، لانتقادات كثيرة من عدة جوانب. يتعلّق السبب الأول بتعطيلها لسوق السكن والتنمية الحضريّة، بالإضافة إلى تدهور مخزون الإيجارات وسحب الاستثمارات منه. كذلك، تُنتقَد أنظمة ضبط الإيجارات هذه لعدم معالجتها للمشكلة الجذريّة المتمثّلة في دعم الأسر ذات الدخل المنخفض، من خلال نقل المسؤوليّة الماليّة عن المسكن الميسور التكلفة إلى المالكين من الأفراد بدلًا من الدولة (موئل الأمم المتّحدة، 2021).

     

    تشمل أبرز سلبيّات ضبط الإيجارات: تدهور حالة المباني التي تعاني من سوء الصيانة والمؤجَّرة بموجب عقود إيجار قديمة نتيجة انخفاض قيمة الإيجارات وإيراداتها (ماروت، 2012). وعاد النقاش حول إصلاح قانون الإيجارات عام 2012 إلى الواجهة عقب انهيار مبنى سكني من فئة الإيجارات القديمة في منطقة فسّوح (الأشرفية) بسبب سوء الصيانة، حيث أسفر عن مقتل 27 شخصًا على الأقلّ.

     

    تم التوقف عن تطبيق مبدأ ضبط الإيجارات رسميًا من خلال قانون جديد صوّت عليه البرلمان عام 2014، وتم تعديله لاحقًا في عام 2017. ووفقًا لهذا القانون المُعَدَّل، يُصار إلى إلغاء عقود الإيجار القديمة تدريجيًا على مدى تسع سنوات (أو اثنتي عشرة سنة في بعض الحالات)، مع زيادة قيمة الإيجارات تدريجيًا للوصول إلى "سعر إيجار عادل". وللمساعدة في تغطية الزيادات في الإيجارات، ينصّ التشريع على تقديم دعم حكومي للإسكان لذوي الدخل المحدود.

     

    تعرّض هذا القانون لانتقاداتٍ واسعة بسبب نقص المعلومات حول استراتيجيّة تنفيذه، بما في ذلك تعديل الإيجارات وتحريرها، وعدم تمويل صندوق التعويضات، وضعف برامج التعويض للمستأجرين بموجب اتفاقيّات الإيجار "القديمة". ويشير المنتقدون إلى تداعياته على المستأجرين، المعرَّضين لخطر الإخلاء في حال عجزهم عن دفع الإيجار وفق أسعار السوق. علاوةً على ذلك، اتّسم تطبيق الدولة والمالكين لهذا الإطار الجديد بعدم الاتّساق في السنوات الأخيرة. ويُشيرُ تقريرٌ صادرٌ عن برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية (2021) إلى أنّ إنهاء تنظيم الإيجارات سيُساهم في تقليل فرص الحصول على مساكن بأسعار معقولة بشكلٍ أكبر من خلال تقليص مخزون الوحدات السكنيّة ذات الأسعار المعقولة.

     

    التشريعات ذات الصلة

    قانون الإيجارات لا يؤثر على البيئة الحضرية بشكل منفصل عن الأطر التشريعية الأخرى، التي تؤثر بدورها على قطاع الإسكان. فقانون تقسيم المناطق لعام 1954 يمنح المناطق المركزيّة وشبه المركزيّة أهمّ حقوق تقسيم المناطق، ويرفع قيمة الأراضي ويضغط على مالكي العقارات للبيع أو إعادة التطوير. أمّا قانون البناء الصادر عام 2004 فيمنح الأفضليّة للمطوّرين من خلال اعتماد طريقة جديدة لحساب مساحة السطح القابلة للبناء.

     

    وبالتالي، قد يشعر المالكون المقيّدون بعقود إيجار منخفضة والذين يواجهون ضغوطًا ماليّة بأنّهم مجبرون على بيع عقاراتهم (ماروت، 2012). كذلك، فإنَّ الإلغاء التدريجي لحماية الإيجارات القديمة يُعزّز هذه الديناميكيّة من خلال تسهيل عمليّات الإخلاء وإتاحة المجال لمشاريع إعادة التطوير. وتُساهِم كلّ هذه القوانين في تغيير النسيج العمراني والتراثي وتشويهه.

    برامج قروض الإسكان

    يعتبر بعض خبراء السياسات أنّ الدولة أبدت اهتمامًا محدودًا بالوفاء بالوعد الدستوري المتعلّق بحقّ المواطنين في السكن الملائم (كريان، 2023). وقد تمثّلت المبادرة الحكوميّة بشكل رئيسي في برنامج قروض الإسكان العام.

     

    وبحسب برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية (2021)، تعود برامج الإقراض العقاري إلى ما قبل الحرب الأهلية، ثمّ توسّعت خلالها، حيث اتّسمت تلك الفترة بارتفاع نشاط البناء. لقد تمّ إنشاء مصرف الإسكان (1977) والصندوق المستقلّ للإسكان (1980) كمؤسّستين حكوميّتين رئيسيّتين لتقديم قروض طويلة الأجل ومنخفضة الفائدة باللّيرة اللّبنانيّة. وكادت هاتان المؤسّستان أن تُفلسا بسبب انخفاض قيمة العملة في الثمانينات وأوائل التسعينات.

     

    في مطلع تسعينات القرن الماضي، وُضعت سياساتٌ تُركّز على امتلاك المساكن عبر تقديم تعويضات مالية للسكّان النازحين خلال الحرب الأهلية. وقد نُفّذ ذلك من خلال الصندوق المركزي للمهجّرين التابع للدولة، والذي مكّن النازحين من تأمين مسكن في مناطقهم الأصليّة (موئل الأمم المتّحدة، 2021). أمّا في حقبة ما بعد الحرب، وفي عهد حكومة رفيق الحريري، أُعيدَ تصميم سياسة الإسكان لتعتمد بشكلٍ أكبر على القطاع الخاص، ولتشجيع تملُّك المساكن من خلال دعمٍ موجّه للطلب.

     

    بناءً على ذلك، طرحت المصارف التجاريّة، والمؤسّسة العامة للإسكان (التي تأسّست عام 1996)، ومصرف الإسكان، بالإضافة إلى عدد من الصناديق العامّة المخصّصة، برامج قروض جديدة. تميّزت هذه البرامج بفائدة منخفضة (3-5%)، وفترة استحقاق مدّتها 30 عامًا، ودفعة أولى بنسبة 20%، لتصبح الأداة الرئيسيّة لسياسة الإسكان خلال أواخر التسعينات وحتى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقد دُعم الإقراض الضخم من خلال دعم المصرف المركزي للرهون العقارية باستخدام الاحتياطيات الإلزامية للمصارف، وتقديم حوافز ضريبيّة. غير أنّ هذه السياسة توقّفت في العام 2018 مع بداية الأزمة الاقتصاديّة الأسوأ في لبنان (مرصد السكن، 2022؛ موئل الأمم المتّحدة، 2021).

     

    الثغرات والتحدّيات

    يُعَدّ تسليع قطاع السكن، أي "أمْوَلة العقارات"، أحد التحديات الرئيسيّة التي تَحول دون تطوير سياسة إسكان شاملة وقائمة على الحق في السكن الملائم. ويشير هذا المصطلح إلى تحويل السكن إلى أصول مالية للاستثمار والمضاربة بدلًا من استخدامه كسلعة اجتماعيّة. ويُعتبر ذلك جزءًا من ظاهرة عالمية، كما يُشكّل عائقًا رئيسيًا أمام الحصول على السكن الملائم.

     

    عقب انتهاء الحرب الأهليّة، ساهمت السياسات المعتمدة في تسهيل هذا التوجّه الذي يتجلّى بوضوح من خلال وجود فائض في المساكن الشاغرة بأسعار باهظة لا يمكن تحمّلها. علاوةً على ذلك، سلّط الباحثون الضوء على أنّ سياسات الإسكان تخدم مصالح النخب التجاريّة على حساب المصلحة العامّة نظرًا للترابط القائم بين المستثمرين العقاريّين والسياسيّين (معوض وصاغية، 2019؛ كرين، 2023).

     

    وعلى الرغم من وجود قروض الإسكان، غير أنّ هذه السياسات تُفيد عمومًا الفئات الاجتماعيّة القادرة على تسديد دفعة أولى ويُمكنها تحمّل أقساط قروض عقارية مرتفعة نسبيًا. وبالتركيز على الطبقة الوسطى، تبقى تحدّيات الطبقة العاملة من دون معالجة، في ظلِّ غيابٍ تامّ لمشاريع الإسكان الحكوميّة بأسعار معقولة. ونتيجةً لذلك، وحتى مع ازدياد نسبة استملاك المنازل، يلجأ عدد كبير من اللبنانيّين إلى الاستئجار في المناطق السكنيّة غير النظاميّة التي ظلّت خارج نطاق السياسات العامّة (موئل الأمم المتّحدة، 2021).

     

    أخيرًا، يُمثّل غياب الضريبة على العقارات الشاغرة خللًا أساسيًا في سياسات الإسكان في لبنان، إذ يُقلّص من عرض المساكن في السوق. ووفقًا لتقرير برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) لعام 2021، يُمكن اعتبار ثلث الأراضي في مدينة بيروت شاغرة أو غير مأهولة. لذلك، يُوصي الخبراء بفرض ضريبة على العقارات الشاغرة لتحفيز مالكي العقارات على توفيرها، ممّا يُساهم في زيادة المخزون السكني وخفض الأسعار.

     

    ما أهميّة ذلك؟

    تنطوي سياسة الإسكان التي لا تُلبّي حقّ المواطنين في السكن الملائم على آثار وخيمة على الأفراد والمجتمع ككلّ. أولًا، يُعرّض إنهاء إجراءات ضبط الإيجار الناس لخطر الإخلاء، ويُقلّص بشكل أكبر فرص الحصول على مساكن بأسعار معقولة.

     

    بالإضافة إلى ذلك، تتزايد أعداد الفئات السكّانية الهشة (بما في ذلك الأسر ذات الدخل المحدود واللّاجئون والعمّال المهاجرون) التي تحصل على مساكن في القطاع غير الرسمي، من دون امتلاك سندات ملكيّة أو عقود إيجار رسميّة، مما يُعرّضها لانعدام أمن الحيازة. ويؤدّي هذا الوضع إلى تزايد التفاوتات الاجتماعيّة والجغرافيّة، ممّا يُهدّد التماسك الاجتماعي.

     

    يؤثّر نزوح المستأجرين من فئة الإيجارات القديمة في حدّ ذاته على النسيج الاجتماعي للأحياء، إذ تفقد عاصمة مثل بيروت تنوّعها السكّاني الاقتصادي والاجتماعي، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى المطوّرين والمستثمرين العقاريّين. إضافةً إلى ذلك، تُساهم سياسات الإسكان، المتقاطعة مع قانونَيْ البناء وتقسيم المناطق، في تهديد التراث العمراني في لبنان. ويُساهِم غياب سياسة حضريّة للإسكان في التمدّد العمراني، وهو التوسّع غير المخطّط له للمناطق الحضريّة نحو المناطق الريفيّة المحيطة، ممّا يُولّد ضغوطًا اجتماعيّة وبيئيّة.

     

    وفي ظلّ غياب سياسات اجتماعيّة فعّالة، تدخّلت منظّمات المجتمع المدني لسدّ الفجوة ومعالجة تحدّيات الإسكان المتزايدة. غير أنّ هذه المبادرات التي تُطلقها المنظّمات الدينيّة ومنظّمات المجتمع المدني لا تُغني عن سياسة إسكان شاملة وقائمة على الحقوق. وقد دعت العديد من المنظّمات إلى إرساء بيئة جديدة لسياسات الإسكان تضع الحقّ في السكن الملائم في صلب الخطط السياسيّة. ويجب أن يُعالج هذا النهج الأسباب الجذريّة لأزمة السكن، بدل أن يكتفي بتقديم الحلول المؤقّتة.

     

    المراجع

     

    البنك الدولي. لبنان - التقييم السريع للأضرار والاحتياجات (بالإنجليزية). واشنطن: مجموعة البنك الدولي. http://documents.worldbank.org/curated/en/099030125012526525

     

    إهرينبرغ-بيترز، ن. وفيف، ب. 2024. تداعيات أزمة السكن في لبنان خلال الحرب: بين التربّح أو الحماية: أثارت الحرب الإسرائيلية أزمة سكن تهدد الاستقرار الاجتماعي في لبنان. بديل: معهد السياسات البديلة https://thebadil.com/ar/analysis/profit-or-protection-the-fallout-of-lebanons-housing-crisis/

     

    إهرينبرغ-بيترز، ن. وفيف، ب. 2024. أزمة السكن في لبنان: الاستجابة الطارئة إلى الحلول المستدامة: كيف يمكن لأزمة النزوح أن تؤسس لنظام إسكان ميسور التكلفة وأكثر إنصافاً ومرونة.https://daftar.news/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D8%A6%D8%A9/

     

    برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية. 2021. دليل لدمج الإسكان في السياسة الحضرية الوطنية في لبنان. https://unhabitat.org/guide-for-mainstreaming-housing-in-lebanons-national-urban-policy

     

    مرصد السكن. 2022. محنة لبنان السكنية: التقرير السنوي المرفوع إلى الأمم المتّحدة. https://publicworksstudio.com/the-plight-of-housing-in-lebanon/

     

    فواز، م.، سلامة، د.، سرحان، ي.، بيتروستيفاني، هـ.، عبدو، ن.، فغالي، د. 2017. يُمكنك البقاء في بيروت: نحو سياسات إسكان حضرية دامجة. معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية https://www.aub.edu.lb/ifi/Documents/publications/policy_briefs/2017-2018/20180318_you_can_stay_in_beirut_arabic.pdf

     

    التعليق العام رقم 4. الحقّ في السكن الملائم (المادة 11 (1) من العهد). 1991. https://www.refworld.org/legal/general/cescr/1991/en/53157

     

    ماروت، ب. 2012. قانون "الإيجارات القديمة" في بيروت: حافز أم رادع للتحسين العمراني؟ دفاتر إيفبو. https://ifpo.hypotheses.org/4376

     

    يونس، د. 2018. منظمات المجتمع المدني اللبنانية وعقود الإيجار القديمة. كسر القوالب. معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية.

    https://www.aub.edu.lb/ifi/Documents/Lebanese-civil-society-organizations-and-the-old-tenancy-agreements.pdf

     

    الدولية للمعلومات. 2014. قانون الإيجارات في لبنان: باب جديد لاستنزاف المال العام. https://monthlymagazine.com/ar-article-desc_2962_

     

    مغربي، ر. 2018. قانون جديد للإيجارات، ديناميكية عمرانية جديدة. مجلة الجامعة اللبنانية الأمريكية ونشرة خريجيها. المجلد 20، العدد 1. https://magazine.lau.edu.lb/20-1/a-new-rent-law-a-new-urban-dynamic.php

     

    كريان، ر. 2023. أبنية بلا منازل: حول أزمة السكن في بيروت: كيف أدّت عقودٌ من "أمولة" العقارات إلى بناء مدينة لا يستطيع إلّا القليل العيش فيها. بديل: معهد السياسات البديلة. https://thebadil.com/ar/policy/policy-papers-ar/houses-without-homes-beiruts-affordable-housing-crisis/

     

    معوض، ج.، صاغية، ن.، 2019. محنة سياسات الإسكان في لبنان. المفكرة القانونية. https://legal-agenda.com/%d9%85%d9%86%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%83%d9%86-%d9%88%d9%85%d8%ad%d9%86%d8%aa%d9%87/

    رشا عاقل
    رشا عاقل باحثة في المركز اللبناني للدراسات. تحمل إجازة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من الجامعة الأمريكية في بيروت بدرجة امتياز عالٍ مع مرتبة الشرف، وشهادة ماجستير في دراسات الهجرة من الجامعة اللبنانية الأمريكية. خلال دراستها العليا في الجامعة، عملت باحثة مساعدة في معهد دراسات الهجرة، حيث درست تأثير تغير المناخ في الهجرة. في المركز اللبناني للدراسات، نشرت العديد من البحوث حول الطاقة المتجددة وقضايا بيئية أخرى.
اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية