• شؤون اجتماعية
    يونيو 19، 2025

    برنامج لبنان لإعادة اللاجئين السوريين لعام 2025: موافقة تحت الضغط؟

    • ياسمين ليليان دياب
    برنامج لبنان لإعادة اللاجئين السوريين لعام 2025: موافقة تحت الضغط؟
    Photo Credit: Xinhua

    في العام 2025، تنطوي كلمة "طوعية" على تعقيداتٍ جمّة.

     

    لقد حدّدت الخطّة الوطنية اللبنانية لعودة النازحين التي طال انتظارها، والتي عرضتها مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين خلال اجتماع مجموعة عمل قطاع الاستقرار الاجتماعي ضمن خطّة لبنان للاستجابة في نيسان/أبريل 2025، خارطة الطريق لمعالجة إحدى أزمات النزوح الأطول أمدًا في المنطقة. تَعِد الخطّة بتحقيق عملية مُنظَّمة وآمنة وكريمة ومُستنيرة لعودة النازحين السوريين. وهي ثمرة تنسيق مكثّف بين وكالات الأمم المتّحدة والسلطات اللبنانية والمنظّمات الإنسانية والجهات المعنيّة الإقليمية، وتتطلّع إلى تقديم حلول طالما ناشدَها اللاجئون والمجتمعات المُضيفة وصانعو السياسات العامة على حدّ سواء.

     

    شَكَّلَ سقوط نظام الأسد في كانون الأوّل/ديسمبر 2024 تحوُّلًا جذريًا في مسار النزاع السوري، ووَلَّدَ موجات جديدة من النزوح والعودة. وبينما اعتبره البعض نقطة تحوُّل قد تُنهي أخيرًا إحدى أطول أزمات اللجوء في العالم، غير أنَّه أدّى بالنسبة للكثير من السوريين في لبنان إلى تعميق حالة عدم اليقين. وقد أدّى عدم الوضوح بشأن الهيكل المستقبلي للحوكمة، واستمرار انعدام الأمن في عدد كبير من المناطق السورية، إلى تعقيد احتمالات العودة. فهذا التغيير في النظام لم يُساهِم في إعادة ترتيب أولويات الجهات المانحة والدول المُضيفة فحسب، بل كَشَفَ أيضًا عن هشاشة الأُطُر القائمة لحماية اللاجئين.

     

    مع ذلك، وعلى الرغم من الاعتراف الواسع بالتطوُّر التقني للخطّة والتزاماتها الإنسانية، غير أنَّ تنفيذها يجري في بيئة تتّسم بتقلُّبات سياسية عميقة، وانعدام ثقة منهجي، وهشاشة اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق. ويكمُن في جوهر الخطّة وعدٌ بالعودة الطوعية، يصعب الوفاء به في ظلّ الواقع المعقّد الذي يواجهه النازحون السوريون في لبنان.

     

    عودة آمنة أم انسحاب استراتيجي؟

    لغاية آذار/مارس 2025، عادَ أكثر من 123,000 سوري إلى سوريا من لبنان. ومن بين هؤلاء، تحقّقت مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين من 97,000 حالة عودة، مع تقييمٍ مُلفتٍ بأنَّ 67% منها قد حدثت تحت الإكراه. يتناقض هذا الواقع بشكلٍ صارخ مع التزامات الخطّة المُعلَنة بالعودة الآمنة والمُستنيرة. فبدلًا من أن تكون هذه العودة مدفوعةً بتحسُّن الظروف أو تجدُّد الفُرَص في سوريا، فإنَّها تعكس التآكل المستمر للخيارات المُجدية في لبنان.

     

    يواجه النازحون السوريون في لبنان اقتصادًا مُنهارًا، وخدماتٍ أساسية مُتدهورة، وسياسات إقامة مُقيّدة، ومناخًا سياسيًا يزداد عداءً تجاههم. وقد تصاعدت المشاعر العدائية الاجتماعية، مدفوعةً بالخطاب السياسي الذي يُصوِّر اللاجئين على أنَّهم تهديد أمني أو عبء اقتصادي. وقد فرضت هذه العوامل مُجتمِعَةً ضغطًا هائلًا على السوريين للتفكير في العودة - حتّى عندما لا تكون هذه الأخيرة آمنة أو مُستدامة.

     

    تُحدِّد الخطّة مجموعةً من وسائل الدعم لتسهيل اتّخاذ القرارات المُستنيرة، من بينها: الاستشارات المتعلّقة بالعودة والتقييمات المسبقة، وتقييمات العودة الطوعية في مراكز العودة، وزيارات "المعاينة"، والمساعدات المالية من خلال منحة نقدية قدرها 100 دولار أمريكي لكلّ فرد. ولكنْ، لا يمكن لهذه الآليات أن تُعوِّض عن العوامل الهيكلية المُهيمِنة التي تُؤثِّر على القرارات.

     

    على سبيل المثال، بينما تُتيح زيارات "المعاينة" لفرد بالغ واحد من الأسرة تقييم الظروف المعيشية في سوريا، مع توفير إقامة لبنانية لمدّة شهر واحد غير قابل للتجديد عند العودة، تعمل الأجهزة الأمنية اللبنانية نفسها على تيسير هذه الزيارات، وهي تلعبُ دورًا محوريًا في عمليات العودة، وفي الوقت نفسه لطالما انخرطت في الإجراءات التقييدية والقسرية الموثّقة ضدّ اللاجئين. ويُقوِّض هذا الدور المزدوج الثقة ويُثير مخاوف بشأن طوعية إطار العودة وشفافيته.

     

    غالبًا ما يُعبِّر النازحون السوريون أنفسهم عن انعدام ثقة عميق، ليس تجاه الحكومتَيْن اللبنانية والسورية فحسب، بل أيضًا تجاه المنظومة الإنسانية. فعلى الرغم من برامج المساعدة والحماية المهمّة المتوفّرة في لبنان، غير أنَّ التصوُّرات حول محدودية قدرة الجهات الفاعلة الإنسانية على منع العودة القسرية أو الدفاع بفعّالية عن حقوق اللاجئين قد ساهمت في تقويض ثقتهم.

     

    علاوةً على ذلك، يخشى الكثير من اللاجئين من أنَّه بمجرّد عبورهم الحدود إلى سوريا - حتّى لأغراض التقييم - سيتعرّضون للمراقبة أو الاعتقال، على الرغم من التغييرات السياسية التي أعقبت سقوط نظام الأسد. وقد أخذت الجهات الإنسانية هذه المخاوف في الحسبان ضمن افتراضات التخطيط، غير أنَّ الفجوة بين السياسات والواقع المعيشي للّاجئين لا تزال واسعة.

     

    تسهيل العودة أم هندستها؟

    تعكس خطّة العودة لعام 2025 مستوى غير مسبوق من التفصيل التقني والتنسيق. فهي تتضمّن أنشطة تحضيرية مع الجهات الحكومية اللبنانية، وبناء القدرات، والتنسيق عبر الحدود مع الجهات المعنيّة في سوريا، وجهودًا لتأمين التمويل داخل الدول المُضيفة وسوريا نفسها. كذلك، تتضمّن تدابير لتخفيف المخاطر، مثل رصد الحماية، وتحليل النزاعات، وتقييم التطوّع، وآليات تقديم الشكاوى.

     

    غير أنَّ هذه الآليات، رغم نواياها الحسنة، قد تُسهِّل بشكل غير مقصود، ما يُمكن تسميته "هندسة العودة"، حيث تُشكِّل الضرورات السياسية التي تُحرِّكها الدولة، بدلًا من الطوعية الحقيقية، نتائج العودة. وتحت ستار حماية الحقوق وضمان اتّخاذ قرارات مُستنيرة، يمكن لهذه العمليات أن تُنشئ مسارًا مُنظَّمًا يدفع اللاجئين أو يضغط عليهم للعودة، بغضّ النظر عن الظروف على أرض الواقع. وقد تفشل التقييمات التقنية لمفهوم الطوعية في استيعاب الحقائق القسرية التي يواجهها اللاجئون، مثل وقف المساعدات، والسياسات التقييدية للإقامة، أو التهديد بالاعتقال والترحيل.

     

    في هذا الوقت، يمكن الاستفادة من أُطُر الحدّ من المخاطر ليس لرصد الهواجس المتعلّقة بالحماية فحسب، بل أيضًا لإدارة عمليات العودة وتبريرها، وإعطائها شرعيةً معيّنة حتّى عند حدوثها تحت وطأة الإكراه. وبهذه الطريقة، يمكن استغلال الأنظمة المصمّمة لدعم حقوق اللاجئين خدمةً لأهداف سياسية أوسع نطاقًا تتمثّل في تقليل أعداد اللاجئين وإعادة فرض السيطرة على عملية تنقّلهم.

     

    تتوقع الخطّة عودة ما يَصِل إلى 400,000 لاجئ، بمن فيهم 5,000 لاجئ فلسطيني من سوريا، بحلول نهاية عام 2025. ويفترض هذا الهدف تحقيق استقرار نسبي واستعادة الخدمات في سوريا، بالإضافة إلى استمرار الاستقرار الاجتماعي ودعم الجهات المانحة في لبنان. ومع ذلك، تظلّ هذه الافتراضات طموحة إلى حدّ كبير.

     

    وفي حين أنَّ الخطّة تُحدِّد هذه الأهداف على أنَّها مشروطة بتوفُّر ظروف مناسبة، فإنَّ مجرّد صياغتها يُشكِّل ضغطًا على الجهات الإنسانية لتسهيل العودة، حتّى إنْ لم تكن الظروف مثالية. إنَّ إدراج مِنَح العودة النقدية، ومساعدة النقل، والمساعدة القانونية، وتسريع إجراءات العودة، يُولِّد حوافز قد تجعل من الصعب التمييز بين تسهيل الاختيار وتشجيع العودة.

     

    تُساهِم العلاقة العملياتية المعقّدة بين مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين والهيئات الحكومية اللبنانية في تعقيد مسألة ضمان الطوعية. فرغم ضرورة التنسيق اللوجستي، تتطلّب هذه الشراكة العمل ضمن بيئة سياسية دعت فيها بعض الجهات السياسية علنًا إلى عودة واسعة النطاق بغضّ النظر عن الظروف في سوريا. إنَّ مشاركة الأجهزة الأمنية التابعة للدولة في تقديم المشورة بشأن العودة، ورصد الحدود، وتسهيل إجراءات "الزيارة والمعاينة" قد تخلق تصوُّرًا - أو بالأحرى واقعًا - عن عودة قسرية أو تحت الضغط.

     

    وفي الوقت نفسه، تُهدِّد فجوات التمويل واستنزاف الجهات المانحة بتقويض قدرة المجتمع الإنساني على مقاومة أجندات العودة المدفوعة سياسيًا. تتطلّب خطة العودة مبلغ 150 مليون دولار أمريكي، غير أنَّها مُدرَجة ضمن نداء خطّة لبنان للاستجابة الأوسع والبالغ 2،99 مليار دولار أمريكي. وفي ظلّ تشتُّت الاهتمام العالمي وتغيُّر أولويات الجهات المانحة، يتزايد احتمال أن تؤدّي الضغوط المالية إلى إعطاء الأولوية لبرامج العودة على حساب الحماية الطويلة الأمد والحلول المستدامة لمَنْ تبقّى.

     

    الملاحظات الختامية

    تعكس خطّة العودة لعام 2025 تنسيقًا غير مسبوق، وتطوُّرًا تقنيًا، والتزامًا واضحًا بدعم المبادئ الإنسانية. ولكنْ، لا يمكن دمج مفهوم الطوعية ببساطة في الأُطُر السياساتية العامة أو قياسه بمعايير بيروقراطية. يجب أن يرتكز على الواقع المعيشي للسوريين - واقعٌ تُشكِّله الصعوبات والمخاوف، مع انعدامٍ عميق في حرّية الخيار في كثيرٍ من الأحيان.

     

    يُؤكِّد بحثنا النوعي المستمرّ في معهد دراسات الهجرة بالجامعة اللبنانية الأمريكية على ضرورة تجاوز الروايات الموحّدة لتجربة اللاجئين السوريين في لبنان. فالنازحون ليسوا كتلةً واحدة، إذ تتشكّل عمليات اللاجئين لصنع القرار من خلال عوامل متقاطعة مثل النوع الاجتماعي، والطبقة الاجتماعية، والوضع القانوني، والطائفة، والأصول الحضرية أو الريفية، والتعرُّض للعنف في الماضي.

     

    تُنتج هذه المتغيّرات بدورها مفاهيم معقّدة ومتناقضة في كثير من الأحيان بشأن السلامة - فالبعض يُعطي الأولوية للأمن الجسدي، والبعض الآخر للاستقرار الاقتصادي، والانتماء الاجتماعي، أو الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي. وبالنسبة للبعض، يُمثِّل البقاء في لبنان، رغم صعوباته، شكلًا من أشكال السلامة؛ بينما تُصبح العودة إلى سوريا، حتّى في ظلّ المخاطر، أهون الشرَّيْن بالنسبة لآخرين. إنَّ الأُطُر الإنسانية والسياسية التي تتجاهل هذا التعقيد قد تؤدّي إلى تقويض مبدأ الطوعية ومصداقية برنامج العودة نفسها.

     

    فمن دون يقظة دائمة، قد تتحوّل الأنظمة المصمّمة لحماية اللاجئين نفسها إلى أدوات تُسهِّل العودة القسرية، ممّا يُقوِّض أُسُس الحماية الإنسانية، ويُمهِّد الطريق لجولة جديدة من النزوح وعدم الاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان.

     

    وفي ظلّ هذا المنعطف الحرج الذي يمرّ به لبنان، يبقى السؤال الجوهري: هل سيصمد وعد العودة الطوعية - أم سينهار تحت وطأة المصالح السياسية ويأس مَنْ لا يملكون خياراتٍ أخرى؟

     

    ياسمين ليليان دياب

    هي مديرة معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأمريكية وأستاذة مُساعِدة متخصّصة في مجال الهجرة والهوية. شغلت زمالات ومناصب زائرة مرموقة في مؤسّسات مثل معهد الدراسات السياسية في ليون، وجامعة براون، وجامعة يورك، وجامعة الأمم المتّحدة، وغيرها. وحازت أبحاثها وأعمالها على تقديرٍ ملحوظ، بما في ذلك جائزة ليزا جلعاد لعام 2025، بالإضافة إلى العديد من المِنَح البحثية. وكان لدياب مساهمات واسعة في هذا المجال من خلال أكثر من 100 استشارة لوكالات الأمم المتّحدة والمنظّمات الإنسانية، مع التركيز على قضايا النزاع والنزوح والنوع الاجتماعي والتخطيط الإنساني. وهي عضو في هيئات تحرير العديد من المجلّات الأكاديمية المتخصّصة في مجالات الهجرة وعلم الاجتماع والدراسات الإنسانية.

اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية